تحقيق حياة الرازى كما وردت
في المصادر القديمة والمراجع الحديثة
اسمه:
هو " أبو بكر محمد بن زكريا الرازي "
ولا ترد الكنية " أبو بكر" في كل من كتاب تاريخ حكماء الإسلام (1) وطبقات الأطباء والحكماء (2) والوافي بالوفيات (3) والبداية والنهاية (4) والنجوم الزاهرة (5) ودول الإسلام (6) والعبر في خبر من غبر (7) وأما صاعد في طبقات الأمم فيوردها مرة ويغفلها أخرى (، وكذلك ابن العبري في تاريخ مختصر الدول يوردها مرة ويغفلها أخرى (9)، وأما ابن الحنبلي في شذرات الذهب، فلا يوردها في العنوان، ولكن في المتن نقلا عن ابن الأهدل (10).
ويذكر ثروة (11) في الصفحة الأولى من تحقيقه لكتاب " سر الأسرار اسما لجد الرازي هو " يحى " فيورد اسمه" أبو بكر محمد بن زكريا بن يحيى الرازي " وقد عدنا إلى مخطوطة كتاب الأسرار المصورة مرافقة لنفس الكتاب، فلم نجد ذكرا لهذا الاسم، ولكننا وجدناه في " رسالة البيروني في فهرسة كتب محمد بن زكريا الرازي حيث يقول: " ذكرت لازلت ذاكرا وبه مذكورا أنك تشوقت إلى الإحاطة بزمان محمد بن زكريا بن يحى الرازي " (13).
ويرد الاسم والكنية كما أثبتناهما في عدة كتب أهمها تأريخ الحكماء (13)، وعيون الأنباء (14)، ومرآة الجنان (15)، ووفيات الأعيان (16) ومفتاح السعادة (17). ويختلف الفهرست (18) والوافي بالوفيات (19) ومعجم البلدان (20) والآثار الباقية (31) وتحقيق ما للهند (22) بكلمة زكريا فقط، حيث وردت لديهم " زكريا " بالهمزة، أما باقي الاسم فهو مماثل لما أثبتنا هنا.
ولادته :
ولد الرازي في مدينة الري إحدى أهم مدن إيران سابقا (23)- كما أجمعت المصادر التي أوردت مكان ولادته (24)-وتعود نسبته " الرازي " إلى تلك المدينة.
أما تاريخ ولادته فقد اختلف فيه- وهو غالبا سنة (251 هـ 865 م)
فلم تذكر الكتب القديمة تاريخ ولادته ماعدا البيروني الذي ذكر (25) أنه ولد في غرة شعبان من سنة 251 هـ (865 م).
وأما الكتب الحديثة فقد أوردت تواريخ شتى:
* فأورد بعضها التاريخ الذي ذكره البيروني مثل الأعلام (26) ومعجم المؤلفين (27) والموسوعة البريطانية المختصرة (28) والدومييلي (29 ) وتاريخ الحضارات العام (30) وأدب العلماء (31) وتراث الإسلام (32).
* وأورد بعضها تواريخ مختلفة قريبة أو بعيدة من التاريخ المذكور:
فكتاب الكيمياء عند العرب (33) يورده في سنة 2 25 هـ (866 م). وتورده دائرة المعارف الإسلامية (34) وكذلك تاريخ الحضارة الإسلامية (31) وأبحاث عن تاريخ العلوم في الحضارة العربية الإسلامية (36)، وتراث الإسلام (37) والطب الإسلامي (38) تورده في سنة 0 25 هـ (864 م). ويورده غاريسون (39) في سنة 246 هـ (0 86 م).
ويورده.D.S.B (4) والعلوم عند العرب (41) والخالدون العرب (42) وتاريخ العلم ودور العلماء العرب (43) والموجز في التراث العلمي ، العربي الإسلامي (44) في سنة 240 هـ (854 م).
ويورده باب الطب العربي (4)، وتورندايك (46)، وحضارة العرب (47) في سنة 236 هـ (0 85 م).
ويورده طب الرازي (48) في سنة 235 هـ (849 م).
ويورده فرات فائق في كتابه عن الرازي (49) في سنة 226 هـ (5 84 م).
وكما نلاحظ فهناك تواريخ متفاوتة بين سنة 226 هـ (840 م) وسنة 252 هـ (866 م).
ولم نستطع معرفة المصادر التي رجع إليها هؤلاء المؤلفون لتحديد ولادة الرازي بهذه التواريخ المختلفة.
حياته:
المعلومات الموثقة عن حياة الرازي قليلة، وتذكر أكثر الكتب القديمة أنه كان يضرب العود ويغني في صغره (50) . ولا يورد الفهرست (51) ولا تأريخ حكماء الإسلام (52) هذه الفكرة. وقد اعتبر المؤرخون القدامى هذه الموهبة ميزة من ميزات الرازي، ومقدرة خاصة فذكرها أغلبهم في ترجمتهم للرازي، وأضاف بعضهم (53) أنه ترك الغناء عندما التحى وجهه قائلا: " كل غناء يخرج من بين شارب ولحية لا يستظرف ".
وأما المحدثون فقد ذكرها بعضهم كما في الأعلام (54) ومعجم المؤلفين (55)، وأهملها بعضهم وخاصة المؤلفون الغربيون (56).
ويضيف كتاب تأريخ حكماء الإسلام (57) أنه كان صائغا، ولا يرد هذا عند المؤلفين الحديثين عدا معجم المؤلفين (58) ويذكر ابن جلجل في طبقات الأطباء والحكماء أنه كان أديبا (59)، وأما عيون الأنباء فيقول إنه كان صيرفيا (60) كما يؤكد ما ورد لدى ابن جلجل فيذكر أنه كان يقول الشعر ويهتم بالأدب (61)، ولم يصلنا من آثاره الأدبية والشعرية سوى البيتين اللذين أوردهما ابن أبي أصيبعه (61) وهما:
لعمري ، ما أدري ، وقد آذن البلى بعاجل ترحال ، إلى أين ترحالي؟
وأيـن محـل الروح بعد خروجـــــه من الهيكل المنحل، والجسد البالي؟
اشتغاله بالكيمياء:
تقول الكتب، القديمة إن الرازي مارس الكيمياء أولا ، وألف فيها- ويرد هذا في الفهرست (63) وتاريخ حكماء الإسلام (63) وعيون الأنباء (64)- ثم انصرف- بعد ذلك- لدراسة الطب كما يرد في طبقات الأطباء والحكماء (65) وطبقات الأمم (66) وتأريخ حكماء الإسلام (67) وعيون الأنباء (68) وغيرها (69).
ولكننا نعتقد أن اشتغال الرازي في مجال الكيمياء كان خلال مرحلتين من مراحل حياته:
فالمرحلة الأولى: كانت في بداية حياته، حيث اشتغل بالكيمياء وألف في مجالها، وربما أثرت المواد الكيماوية وأبخرتها على عينيه في هذه الفترة ، حيث يقول البيهقي (70): " فرمدت عيناه بسبب أبخرة العقاقير المستعملة في الإكسير) ويضيف أنه ذهب إلى طبيب لمعالجته، ولا شك أن هذا كان قبل أن يدرس الطب، أي في مقتبل حياته. وقد يصح أن الرازي أنصرف بعدها إلى دراساته الأخرى في الطب والفلسفة وغيرها من العلوم، كما ورد لدى المؤلفين.
وتأتي بعد ذلك المرحلة الثانية التي عاود فيها الرازي اشتغاله بالكيمياء، وربما طغى الجانب النظري أي جانب الدراسة والتأليف على الجانب العملي في هذه المرحلة التي نعتقد أنها كانت في أواخر حياته. ونستدل على معاودة الرازي للاشتغال في مجال الكيمياء في أواخر حياته مما جاء في مقدمة كتابي الأسرار، وسر الأسرار(71) من أنه ألف هذين الكتابين بناء على طلب أحد تلاميذه من أهل بخاري ، وهو عالم بالرياضيات والعلوم الطبيعية والمنطقية، ولا شك أن هذا كان بعد شهرته وتتلمذ كثير من طالبي العلم على يديه ، أي بعد مرور مدة طويلة على المرحلة الأولى. وترد في نفس المقدمة إشارة تدل على تقدم الرازي في السن حيث يقول (72): "ولولا علمي بانصراف أيامي دون أجلي، ومخافتي من فوت ما آمله وأرومه لم أكن بالذي أجمع له هذا كله في كتاب واحد بهذا الاستقصاء ".
ومما يؤكد- لدينا الاعتقاد بأنه عاود التأليف في الكيمياء في مرحلة متأخرة من عمره، القصة التي ذكرها بعض المؤلفين (73)، والتي تناسب حصول العمى لدى الرازي في أواخر عمره إلى أنه ألف كتابا في الكيمياء وأهداه إلى أحد ملوك السامانيين، فكافأه عليه، ولما طالبه بتحقيق ما ورد فيه، وتهرب الرازي من ذلك، أمر الملك بضربه بالكتاب الذي ألفه على رأسه عقوبة له، فسبب له ذلك العمى.
ويؤكده أيضا ما ورد في عيون الأنباء (74) من أن أحد الوزراء سأله أن يعرفه ما حصل له من معرفة الكيمياء، فلما لم يذكر له الرازي شيئا من ذلك، وأنكر معرفته خنقه سرا بوتر.
ورغم أننا لن نسلم بصحة هاتين القصتين دون شك، لكنهما توحيان لنا بفكرة وهي أن الرازي عاود الاشتغال بالكيمياء،- وخاصة ما يتعلق منها بالتأليف- في سن متقدمة.
ولعل ممارسة الرازي العملية للكيمياء كانت في المرحلة الأولى من عمره، كما ذكرت المصادر القديمة وتأليفه في مجالها كان في المرحلة الثانية، وفي سن متقدمة نسبيا، كما استنتجنا من نفس هذه المصادر ومن كتب الرازي في الكيمياء.
ممارسته للطب:
تذكر المصادر القديمة أن ممارسة الرازي للطب كانت في سن متقدمة، حتى إن عددا من هذه الكتب مثل وفيات الأعيان (75) وفوات، الوفيات (76) وغيرهما (77)، تذكر أنه مارس الطب بعد سن الأربعين.
ويرى أحد الباحثين المحدثين- وهو الدكتور ألبير زكي اسكندر- عكس هذا الرأي، حيث يعتقد أن الرازي بدأ اشتغاله بالطب في حداثته (78)، ويستخلص دلائله على ذلك من مخطوطات وكتب الرازي، ومن المصادر الأخرى. ولعل كثرة عدد كتب الرازي المؤلفة في هذا المجال وتنوعها، يؤيد رأي الدكتور إسكندر المذكور ويتوافق معه.
وقد مارس طبه مدة طويلة في المشافي ، وينعته ابن جلجل (79) بأنه " طبيب مارستاني)، وقد احتل الرازي مناصب هامة في المشافي التي عمل فيها، فتولى إدارة بيمارستان الري (80) كما تذكر عدة مصادر الرازى مثل طبقات الأمم (81) وطبقات الأطباء والحكماء (82) وتاريخ الحكماء (83) وعيون الأنباء (84)، وغيرها (.
وعندما قصد بغداد وأقام فيها أدار أحد بيمارستاناتها ، كما تذكر نفس المصادر، وأما البيمارستان الذي أداره في بغداد فليس معروفا بشكل مؤكد.
وتذكره المصادر القديمة على أنها بيمارستان بغداد " دون تحديد اسم له، وتنقل عنها بعض الكتب الحديثة مثل تاريخ الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى (86) والكيمياء عند العرب (87) وثورندايك (88)، والطب الإ سلامي (89).
ويخالف ذلك ابن أبي أصيبعه (90) حيث ينقل عن " أبي سعيد زاهد العلماء في كتابه في البيمارستانات أن الرازي دخل البيمارستان العضدي فأعجبه ما شاهده فيه ودفعه ذلك إلى تعلم الطب، وثم ينقل عن بعضهم " أن الرازي كان في جملة من اجتمع على بناء هذا البيمارستان العضدي ، ثم ينقل عن أبي تراب البغدادي الكاتب أن عضد الدولة عندما أسس بيمارستانه انتقى مائة من أفضل أطباء بغداد ثم خمسين منهم ثم عشرة، فكان الرازي أحدهم، ثم ميز فيما بينهم فبان له أن الرازي أفضلهم فجعله ساعور البيمارستان العضدي . ولكن ابن أبي أصيبعة يدرس هذه الأقوال من الناحية التاريخية ويمحصها فيتبين له خطؤها، فيقول (91) " والذي صح عندي أن الرازي كان أقدم زمانا من عضد الدولة بن بويه ، وإنما كان تردده إلى البيمارستان من قبل أن يجدده عضد الدولة.
وقد نقل عدد من الكتب الحديثة عن كتاب ابن أبي أصيبعة دون تدقيق فيه، ولم ينتبهوا للتصحيح الذي أورده، فذكرت هذه الكتب أن الرازي تولى رئاسة البيمارستان العضدي، كما ذكرت أنه ساهم في تأسيسه، وأن عضد الدولة استشاره في المكان الذي يجب أن يقام فيه هذا البيمارستان، وقد وردت هذه الرواية في كل من الأعلام (92) ومعجم المؤلفين (93) ودراسات في تاريخ العلوم عند العرب (94) والمرجع في تاريخ العلوم عند العرب (9)، والموجز في التراث العلمي العربي الإسلامي (96) والعلوم عند العرب (97) والطب العربي (98) وتاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه (99) وقراءات في تاريخ العلوم عند العرب (100) وطب الرازي (101).
وتنقل كتب أخرى هذه الروايات مع التصحيح الذي أورده ابن أبي أصيبعة، وممن أورد هذا التصحيح السويسي في أدب العلماء (103) وفائق في كتابه عن الرازي وعلوجي في تاريخ الطب العراقي (104).
ويضيف بعضهم رأيه حول البيمارستان الذي أداره الرازي: فيرى الدومييلي (105) وفروخ (106) وإلغود (107) أنه تولى إدارة البيمارستان المقتدري الذي أسس سنة 306 هـ (918 م) بأمر الخليفة المقتدر. ويرى فائق في كتابه عن الرازي (108) أنه البيمارستان المقتدري أو البيمارستان الصاعدي الذي بني في عهد الخليفة المعتضد وأما التوانسي (109) فيقول: " إن الخليفة المعتضد هو الذي استشاره في بناء مستشفى وجعله رئيسا لأطبائه ".
أما الدكتور البير زكي إسكندر فيعتقد أن البيمارستان المقصود هو البيمارستان المعتضدي الجديد حيث يقول (110) " ورد ذكر البيمارستان المعتضدي في الداء الخفي ولكننا رجعنا إلى نسخة مصورة من المخطوطة المذكورة فوجدنا فيها ذكرا للخليفة المعتضد لا إلى البيمارستان المعتضدي حيث يقول (111) " ورأيت امرأة واحدة لها لحية وافرة من نساء الأكراد جيء بها إلى المعتضد أعجوية " وربما ورد في النسخة التي رجع إليها الدكتور إسكندر ما ذكره في بحثه المذكور، لكننا لم نعثر على ذكر للبيمإرستان المعتضدي بين بيمارستانات بغداد، وإنما هناك بيمارستان لبدر غلام المعتضد ، وقد يكون هذا هو البيمارستان المقصود. وليس بين أيدينا حتى الآن ما يؤكد لنا بشكل حاسم ما هو اسم البيمارستان الذي أداره الرازي في بغداد.
وسواء كان البيمارستان المقصود هو البيمارستان المعتضدي الجديد كما يعتقد الدكتور إسكندر أو البيمارستان المقتدري كما يذ كر الدومييلي والتوانسي أو البيمارستان الصاعدي كما يذكر فرات أو البيمارستان العضدي قبل تجديده كما يقول ابن أبي أصيبعة، فقد بقى الرازي في إدارته فترة طويلة كما يذكر القفطي (113) .
لقد كان قدوم الرازي إلى بغداد وزيارته لها حوالي سنة 285 هـ (898 م) حيث يقول ابن أبي أصيبعة (113): " وكان قدومه إلى بغداد وله من العمر نيف وثلاثون سنة، فإذا تذكرنا تاريخ ولادته المرجح فيكون قدومه إلى بغداد حوالي سنة 285 هـ كما ذكرنا آنفا. ويؤيد ذلك أيضا ما يرد لدى ابن جلجل (114) والقفطي (115) حيث يقول القفطي نقلا عن ابن جلجل " كان الرازي في دولة المكتفي " ويضيف هو قائلا " قلت : وفي بعض زمن المقتدر. وحيث أن الخلافتين كانتا بين 289- 296 هـ (902- 909 م) فلا يعقل أن يكون المقصود بذلك هو فترة حياة الرازي- الذي توفي حوالي 313 هـ (925 م)- كلها، وإنما المقصود بها أن فترة إقامة الرازي ببغداد كانت في ظل حكم هذين الخليفتين.
أما كم بقي الرازي في بغداد تماما، فهذا ما لا نعرفه على وجه الدقة والأرجح أنه زارها أكثر من مره ، فقد كان كثير التنقل بين البلدان، كما يرد في الفهرست (116) وعيون الأنباء (117) وخاصة بين مدن العجم المختلفة إذ كان له فيها- كما يذكران- صداقات وعلاقات جيدة مع حكامها مثل منصور بن إسحق (الذي أهداه كتاب الطب المنصوري) وعلي بن ويهسوذان الذي أهداه الطب الملوكي).
وقد كان الرازي موجودا في بغداد في أواخر أيامه أيضا كما يذكر الحموي (118) وقد سافر منها إلى الري سنة 311 هـ (923 م) حيث توفى في مسقط رأسه بعد حوالي سنتين. وقد أخطأ بعض الدارسين الحديثين مثل الزركلي (119) وكحالة (120) والسويسي (121) حين قالوا إنه توفي في بغداد، وإنما توفي- كما يقول الحموي- " بالري بعد منصرفه من بغداد سنة 311 هـ ".
وفاته:
توفي الرازي في الري حوالي سنة 313 هـ (925 م)، وتقول رواية يوردها ابن أبي أصيبعة (132) إنه قتل خنقا، ولم يمت ميتة عادية.
وقد اختلف أقوال المؤرخين القدامى وكذلك المحدثين في تاريخ وفاة الرازي، وقد وردت عدة آراء في هذا المجال:
ا- المصادر القديمة:
أ- لم يذكر بعضها تاريخ وفاته مثل الفهرست (123) وتاريخ حكماء الإسلام (124) وأما طبقات الأطباء والحكماء (12) فاكتفى بالقول إنه كان في دولة المكتفي (289- 295 هـ) (2 0 9- 8 0 9 م) ولم يحدد قصده بذلك وفاته كما ذكرنا آنفا. وأما معجم البلدان (126) فيقول: " مات بالري بعد منصرفه من بغداد سنة 311 هـ عن ابن شيراز " والتاريخ الذي يورده معجم البلدان هو تاريخ مغادرة الرازي بغداد لا تاربخ وفاته، وربما قاد هذا الالتباس بعض المؤرخين القدامى والمحدثين إلى الخطأ، حيث حددوا وقوع وفاة الرازي في السنة المذكورة، كما قد يكون هذا سبب خطأ- غيرهم في تحديد مكان وفاة الرازي كما ذكرنا سابقا.
ب- أورد بعضهم عدة تواريخ لوفاته: فتاريخ الحكماء (127) يورد ثلاثة تواريخ:
· 320 هـ نقلا عن صاعد.
* 364 هـ نقلا عن ابن شيران في تاريخه.
* نقلا عن ابن جلجل " وكان في دولة المكتفي " (289- 295 هـ)
وأضاف لها " قلت: وفي بعض زمن المقتدر " (295- 296 هـ)
(ويدل هذا كما نعتقد وذكرنا سابقا على وجوده في بغداد لا على فترة حياته .
ويذكر عيون الأنباء (128) أيضا ثلاثة تواريخ:
* نقلا عن أبي الخير الحسن بن سوار بن بابا: نيف وتسعين ومائتين أو ثلثمائة وكسر.
· نقلا عن خط بلى مظفر بن معرف: 320 هـ.
* نقلا عن عبيد الله بن جبرائيل، عاش الرازي حتى لحقه ابن العميد (129) أستاذ الصاحب بن عباد.
ج - أورد بعضها تاريخا واحدا معينا: فمنها ما ذكر أنه توفي سنة 320 هـ (932 م): مثل طبقات الأمم (130) وتاريخ مختصر الدول (131) ومفتاح السعادة (132).
ومنها ما ذكر أنه توفي سنة 313 هـ (925 م): وهذه رواية البيروني (133) في فهرسة كتب الرازي.
ومنها ما ذكر أنه توفي سنة 311 هـ (923 م): مثل وفيات الأعيان (134) وفوات الوفيات (13) والبداية والنهاية (136) والنجوم الزاهرة (37 1) ومرآة الحنان (38 1) وغيرها (39 1). وربما كان سبب إيرادها هذا التاريخ ما ذكرناه من التباس قول الحموي (الذي يعتبر مؤرخا ثقة) وقد مر ذكر ذلك سابقا.
وهكذا تتواتر لدى المؤرخين القدامى ثلاثة تواريخ لوفاة الرازي وهي/ 1 31 هـ/ و/313 هـ/ و/ 320 هـ/، فإذا اعتبرنا تاريخ 311 هـ نتيجة خطأ بفهم قول الحموي على غير مقصده كما ذكرنا، بقي لدينا تاريخان مرجحان لوفاته 313 هـ وهو التاربخ الذي أخذنا به نقلا عن البيروني الذي يعتر قريبا من عصر الرازي ومؤرخا موثوقا في الوقت نفسه، والآخر هو سنة 320 هـ وقد أورده المؤرخون الذين ذكرناهم.
في المصادر القديمة والمراجع الحديثة
اسمه:
هو " أبو بكر محمد بن زكريا الرازي "
ولا ترد الكنية " أبو بكر" في كل من كتاب تاريخ حكماء الإسلام (1) وطبقات الأطباء والحكماء (2) والوافي بالوفيات (3) والبداية والنهاية (4) والنجوم الزاهرة (5) ودول الإسلام (6) والعبر في خبر من غبر (7) وأما صاعد في طبقات الأمم فيوردها مرة ويغفلها أخرى (، وكذلك ابن العبري في تاريخ مختصر الدول يوردها مرة ويغفلها أخرى (9)، وأما ابن الحنبلي في شذرات الذهب، فلا يوردها في العنوان، ولكن في المتن نقلا عن ابن الأهدل (10).
ويذكر ثروة (11) في الصفحة الأولى من تحقيقه لكتاب " سر الأسرار اسما لجد الرازي هو " يحى " فيورد اسمه" أبو بكر محمد بن زكريا بن يحيى الرازي " وقد عدنا إلى مخطوطة كتاب الأسرار المصورة مرافقة لنفس الكتاب، فلم نجد ذكرا لهذا الاسم، ولكننا وجدناه في " رسالة البيروني في فهرسة كتب محمد بن زكريا الرازي حيث يقول: " ذكرت لازلت ذاكرا وبه مذكورا أنك تشوقت إلى الإحاطة بزمان محمد بن زكريا بن يحى الرازي " (13).
ويرد الاسم والكنية كما أثبتناهما في عدة كتب أهمها تأريخ الحكماء (13)، وعيون الأنباء (14)، ومرآة الجنان (15)، ووفيات الأعيان (16) ومفتاح السعادة (17). ويختلف الفهرست (18) والوافي بالوفيات (19) ومعجم البلدان (20) والآثار الباقية (31) وتحقيق ما للهند (22) بكلمة زكريا فقط، حيث وردت لديهم " زكريا " بالهمزة، أما باقي الاسم فهو مماثل لما أثبتنا هنا.
ولادته :
ولد الرازي في مدينة الري إحدى أهم مدن إيران سابقا (23)- كما أجمعت المصادر التي أوردت مكان ولادته (24)-وتعود نسبته " الرازي " إلى تلك المدينة.
أما تاريخ ولادته فقد اختلف فيه- وهو غالبا سنة (251 هـ 865 م)
فلم تذكر الكتب القديمة تاريخ ولادته ماعدا البيروني الذي ذكر (25) أنه ولد في غرة شعبان من سنة 251 هـ (865 م).
وأما الكتب الحديثة فقد أوردت تواريخ شتى:
* فأورد بعضها التاريخ الذي ذكره البيروني مثل الأعلام (26) ومعجم المؤلفين (27) والموسوعة البريطانية المختصرة (28) والدومييلي (29 ) وتاريخ الحضارات العام (30) وأدب العلماء (31) وتراث الإسلام (32).
* وأورد بعضها تواريخ مختلفة قريبة أو بعيدة من التاريخ المذكور:
فكتاب الكيمياء عند العرب (33) يورده في سنة 2 25 هـ (866 م). وتورده دائرة المعارف الإسلامية (34) وكذلك تاريخ الحضارة الإسلامية (31) وأبحاث عن تاريخ العلوم في الحضارة العربية الإسلامية (36)، وتراث الإسلام (37) والطب الإسلامي (38) تورده في سنة 0 25 هـ (864 م). ويورده غاريسون (39) في سنة 246 هـ (0 86 م).
ويورده.D.S.B (4) والعلوم عند العرب (41) والخالدون العرب (42) وتاريخ العلم ودور العلماء العرب (43) والموجز في التراث العلمي ، العربي الإسلامي (44) في سنة 240 هـ (854 م).
ويورده باب الطب العربي (4)، وتورندايك (46)، وحضارة العرب (47) في سنة 236 هـ (0 85 م).
ويورده طب الرازي (48) في سنة 235 هـ (849 م).
ويورده فرات فائق في كتابه عن الرازي (49) في سنة 226 هـ (5 84 م).
وكما نلاحظ فهناك تواريخ متفاوتة بين سنة 226 هـ (840 م) وسنة 252 هـ (866 م).
ولم نستطع معرفة المصادر التي رجع إليها هؤلاء المؤلفون لتحديد ولادة الرازي بهذه التواريخ المختلفة.
حياته:
المعلومات الموثقة عن حياة الرازي قليلة، وتذكر أكثر الكتب القديمة أنه كان يضرب العود ويغني في صغره (50) . ولا يورد الفهرست (51) ولا تأريخ حكماء الإسلام (52) هذه الفكرة. وقد اعتبر المؤرخون القدامى هذه الموهبة ميزة من ميزات الرازي، ومقدرة خاصة فذكرها أغلبهم في ترجمتهم للرازي، وأضاف بعضهم (53) أنه ترك الغناء عندما التحى وجهه قائلا: " كل غناء يخرج من بين شارب ولحية لا يستظرف ".
وأما المحدثون فقد ذكرها بعضهم كما في الأعلام (54) ومعجم المؤلفين (55)، وأهملها بعضهم وخاصة المؤلفون الغربيون (56).
ويضيف كتاب تأريخ حكماء الإسلام (57) أنه كان صائغا، ولا يرد هذا عند المؤلفين الحديثين عدا معجم المؤلفين (58) ويذكر ابن جلجل في طبقات الأطباء والحكماء أنه كان أديبا (59)، وأما عيون الأنباء فيقول إنه كان صيرفيا (60) كما يؤكد ما ورد لدى ابن جلجل فيذكر أنه كان يقول الشعر ويهتم بالأدب (61)، ولم يصلنا من آثاره الأدبية والشعرية سوى البيتين اللذين أوردهما ابن أبي أصيبعه (61) وهما:
لعمري ، ما أدري ، وقد آذن البلى بعاجل ترحال ، إلى أين ترحالي؟
وأيـن محـل الروح بعد خروجـــــه من الهيكل المنحل، والجسد البالي؟
اشتغاله بالكيمياء:
تقول الكتب، القديمة إن الرازي مارس الكيمياء أولا ، وألف فيها- ويرد هذا في الفهرست (63) وتاريخ حكماء الإسلام (63) وعيون الأنباء (64)- ثم انصرف- بعد ذلك- لدراسة الطب كما يرد في طبقات الأطباء والحكماء (65) وطبقات الأمم (66) وتأريخ حكماء الإسلام (67) وعيون الأنباء (68) وغيرها (69).
ولكننا نعتقد أن اشتغال الرازي في مجال الكيمياء كان خلال مرحلتين من مراحل حياته:
فالمرحلة الأولى: كانت في بداية حياته، حيث اشتغل بالكيمياء وألف في مجالها، وربما أثرت المواد الكيماوية وأبخرتها على عينيه في هذه الفترة ، حيث يقول البيهقي (70): " فرمدت عيناه بسبب أبخرة العقاقير المستعملة في الإكسير) ويضيف أنه ذهب إلى طبيب لمعالجته، ولا شك أن هذا كان قبل أن يدرس الطب، أي في مقتبل حياته. وقد يصح أن الرازي أنصرف بعدها إلى دراساته الأخرى في الطب والفلسفة وغيرها من العلوم، كما ورد لدى المؤلفين.
وتأتي بعد ذلك المرحلة الثانية التي عاود فيها الرازي اشتغاله بالكيمياء، وربما طغى الجانب النظري أي جانب الدراسة والتأليف على الجانب العملي في هذه المرحلة التي نعتقد أنها كانت في أواخر حياته. ونستدل على معاودة الرازي للاشتغال في مجال الكيمياء في أواخر حياته مما جاء في مقدمة كتابي الأسرار، وسر الأسرار(71) من أنه ألف هذين الكتابين بناء على طلب أحد تلاميذه من أهل بخاري ، وهو عالم بالرياضيات والعلوم الطبيعية والمنطقية، ولا شك أن هذا كان بعد شهرته وتتلمذ كثير من طالبي العلم على يديه ، أي بعد مرور مدة طويلة على المرحلة الأولى. وترد في نفس المقدمة إشارة تدل على تقدم الرازي في السن حيث يقول (72): "ولولا علمي بانصراف أيامي دون أجلي، ومخافتي من فوت ما آمله وأرومه لم أكن بالذي أجمع له هذا كله في كتاب واحد بهذا الاستقصاء ".
ومما يؤكد- لدينا الاعتقاد بأنه عاود التأليف في الكيمياء في مرحلة متأخرة من عمره، القصة التي ذكرها بعض المؤلفين (73)، والتي تناسب حصول العمى لدى الرازي في أواخر عمره إلى أنه ألف كتابا في الكيمياء وأهداه إلى أحد ملوك السامانيين، فكافأه عليه، ولما طالبه بتحقيق ما ورد فيه، وتهرب الرازي من ذلك، أمر الملك بضربه بالكتاب الذي ألفه على رأسه عقوبة له، فسبب له ذلك العمى.
ويؤكده أيضا ما ورد في عيون الأنباء (74) من أن أحد الوزراء سأله أن يعرفه ما حصل له من معرفة الكيمياء، فلما لم يذكر له الرازي شيئا من ذلك، وأنكر معرفته خنقه سرا بوتر.
ورغم أننا لن نسلم بصحة هاتين القصتين دون شك، لكنهما توحيان لنا بفكرة وهي أن الرازي عاود الاشتغال بالكيمياء،- وخاصة ما يتعلق منها بالتأليف- في سن متقدمة.
ولعل ممارسة الرازي العملية للكيمياء كانت في المرحلة الأولى من عمره، كما ذكرت المصادر القديمة وتأليفه في مجالها كان في المرحلة الثانية، وفي سن متقدمة نسبيا، كما استنتجنا من نفس هذه المصادر ومن كتب الرازي في الكيمياء.
ممارسته للطب:
تذكر المصادر القديمة أن ممارسة الرازي للطب كانت في سن متقدمة، حتى إن عددا من هذه الكتب مثل وفيات الأعيان (75) وفوات، الوفيات (76) وغيرهما (77)، تذكر أنه مارس الطب بعد سن الأربعين.
ويرى أحد الباحثين المحدثين- وهو الدكتور ألبير زكي اسكندر- عكس هذا الرأي، حيث يعتقد أن الرازي بدأ اشتغاله بالطب في حداثته (78)، ويستخلص دلائله على ذلك من مخطوطات وكتب الرازي، ومن المصادر الأخرى. ولعل كثرة عدد كتب الرازي المؤلفة في هذا المجال وتنوعها، يؤيد رأي الدكتور إسكندر المذكور ويتوافق معه.
وقد مارس طبه مدة طويلة في المشافي ، وينعته ابن جلجل (79) بأنه " طبيب مارستاني)، وقد احتل الرازي مناصب هامة في المشافي التي عمل فيها، فتولى إدارة بيمارستان الري (80) كما تذكر عدة مصادر الرازى مثل طبقات الأمم (81) وطبقات الأطباء والحكماء (82) وتاريخ الحكماء (83) وعيون الأنباء (84)، وغيرها (.
وعندما قصد بغداد وأقام فيها أدار أحد بيمارستاناتها ، كما تذكر نفس المصادر، وأما البيمارستان الذي أداره في بغداد فليس معروفا بشكل مؤكد.
وتذكره المصادر القديمة على أنها بيمارستان بغداد " دون تحديد اسم له، وتنقل عنها بعض الكتب الحديثة مثل تاريخ الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى (86) والكيمياء عند العرب (87) وثورندايك (88)، والطب الإ سلامي (89).
ويخالف ذلك ابن أبي أصيبعه (90) حيث ينقل عن " أبي سعيد زاهد العلماء في كتابه في البيمارستانات أن الرازي دخل البيمارستان العضدي فأعجبه ما شاهده فيه ودفعه ذلك إلى تعلم الطب، وثم ينقل عن بعضهم " أن الرازي كان في جملة من اجتمع على بناء هذا البيمارستان العضدي ، ثم ينقل عن أبي تراب البغدادي الكاتب أن عضد الدولة عندما أسس بيمارستانه انتقى مائة من أفضل أطباء بغداد ثم خمسين منهم ثم عشرة، فكان الرازي أحدهم، ثم ميز فيما بينهم فبان له أن الرازي أفضلهم فجعله ساعور البيمارستان العضدي . ولكن ابن أبي أصيبعة يدرس هذه الأقوال من الناحية التاريخية ويمحصها فيتبين له خطؤها، فيقول (91) " والذي صح عندي أن الرازي كان أقدم زمانا من عضد الدولة بن بويه ، وإنما كان تردده إلى البيمارستان من قبل أن يجدده عضد الدولة.
وقد نقل عدد من الكتب الحديثة عن كتاب ابن أبي أصيبعة دون تدقيق فيه، ولم ينتبهوا للتصحيح الذي أورده، فذكرت هذه الكتب أن الرازي تولى رئاسة البيمارستان العضدي، كما ذكرت أنه ساهم في تأسيسه، وأن عضد الدولة استشاره في المكان الذي يجب أن يقام فيه هذا البيمارستان، وقد وردت هذه الرواية في كل من الأعلام (92) ومعجم المؤلفين (93) ودراسات في تاريخ العلوم عند العرب (94) والمرجع في تاريخ العلوم عند العرب (9)، والموجز في التراث العلمي العربي الإسلامي (96) والعلوم عند العرب (97) والطب العربي (98) وتاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه (99) وقراءات في تاريخ العلوم عند العرب (100) وطب الرازي (101).
وتنقل كتب أخرى هذه الروايات مع التصحيح الذي أورده ابن أبي أصيبعة، وممن أورد هذا التصحيح السويسي في أدب العلماء (103) وفائق في كتابه عن الرازي وعلوجي في تاريخ الطب العراقي (104).
ويضيف بعضهم رأيه حول البيمارستان الذي أداره الرازي: فيرى الدومييلي (105) وفروخ (106) وإلغود (107) أنه تولى إدارة البيمارستان المقتدري الذي أسس سنة 306 هـ (918 م) بأمر الخليفة المقتدر. ويرى فائق في كتابه عن الرازي (108) أنه البيمارستان المقتدري أو البيمارستان الصاعدي الذي بني في عهد الخليفة المعتضد وأما التوانسي (109) فيقول: " إن الخليفة المعتضد هو الذي استشاره في بناء مستشفى وجعله رئيسا لأطبائه ".
أما الدكتور البير زكي إسكندر فيعتقد أن البيمارستان المقصود هو البيمارستان المعتضدي الجديد حيث يقول (110) " ورد ذكر البيمارستان المعتضدي في الداء الخفي ولكننا رجعنا إلى نسخة مصورة من المخطوطة المذكورة فوجدنا فيها ذكرا للخليفة المعتضد لا إلى البيمارستان المعتضدي حيث يقول (111) " ورأيت امرأة واحدة لها لحية وافرة من نساء الأكراد جيء بها إلى المعتضد أعجوية " وربما ورد في النسخة التي رجع إليها الدكتور إسكندر ما ذكره في بحثه المذكور، لكننا لم نعثر على ذكر للبيمإرستان المعتضدي بين بيمارستانات بغداد، وإنما هناك بيمارستان لبدر غلام المعتضد ، وقد يكون هذا هو البيمارستان المقصود. وليس بين أيدينا حتى الآن ما يؤكد لنا بشكل حاسم ما هو اسم البيمارستان الذي أداره الرازي في بغداد.
وسواء كان البيمارستان المقصود هو البيمارستان المعتضدي الجديد كما يعتقد الدكتور إسكندر أو البيمارستان المقتدري كما يذ كر الدومييلي والتوانسي أو البيمارستان الصاعدي كما يذكر فرات أو البيمارستان العضدي قبل تجديده كما يقول ابن أبي أصيبعة، فقد بقى الرازي في إدارته فترة طويلة كما يذكر القفطي (113) .
لقد كان قدوم الرازي إلى بغداد وزيارته لها حوالي سنة 285 هـ (898 م) حيث يقول ابن أبي أصيبعة (113): " وكان قدومه إلى بغداد وله من العمر نيف وثلاثون سنة، فإذا تذكرنا تاريخ ولادته المرجح فيكون قدومه إلى بغداد حوالي سنة 285 هـ كما ذكرنا آنفا. ويؤيد ذلك أيضا ما يرد لدى ابن جلجل (114) والقفطي (115) حيث يقول القفطي نقلا عن ابن جلجل " كان الرازي في دولة المكتفي " ويضيف هو قائلا " قلت : وفي بعض زمن المقتدر. وحيث أن الخلافتين كانتا بين 289- 296 هـ (902- 909 م) فلا يعقل أن يكون المقصود بذلك هو فترة حياة الرازي- الذي توفي حوالي 313 هـ (925 م)- كلها، وإنما المقصود بها أن فترة إقامة الرازي ببغداد كانت في ظل حكم هذين الخليفتين.
أما كم بقي الرازي في بغداد تماما، فهذا ما لا نعرفه على وجه الدقة والأرجح أنه زارها أكثر من مره ، فقد كان كثير التنقل بين البلدان، كما يرد في الفهرست (116) وعيون الأنباء (117) وخاصة بين مدن العجم المختلفة إذ كان له فيها- كما يذكران- صداقات وعلاقات جيدة مع حكامها مثل منصور بن إسحق (الذي أهداه كتاب الطب المنصوري) وعلي بن ويهسوذان الذي أهداه الطب الملوكي).
وقد كان الرازي موجودا في بغداد في أواخر أيامه أيضا كما يذكر الحموي (118) وقد سافر منها إلى الري سنة 311 هـ (923 م) حيث توفى في مسقط رأسه بعد حوالي سنتين. وقد أخطأ بعض الدارسين الحديثين مثل الزركلي (119) وكحالة (120) والسويسي (121) حين قالوا إنه توفي في بغداد، وإنما توفي- كما يقول الحموي- " بالري بعد منصرفه من بغداد سنة 311 هـ ".
وفاته:
توفي الرازي في الري حوالي سنة 313 هـ (925 م)، وتقول رواية يوردها ابن أبي أصيبعة (132) إنه قتل خنقا، ولم يمت ميتة عادية.
وقد اختلف أقوال المؤرخين القدامى وكذلك المحدثين في تاريخ وفاة الرازي، وقد وردت عدة آراء في هذا المجال:
ا- المصادر القديمة:
أ- لم يذكر بعضها تاريخ وفاته مثل الفهرست (123) وتاريخ حكماء الإسلام (124) وأما طبقات الأطباء والحكماء (12) فاكتفى بالقول إنه كان في دولة المكتفي (289- 295 هـ) (2 0 9- 8 0 9 م) ولم يحدد قصده بذلك وفاته كما ذكرنا آنفا. وأما معجم البلدان (126) فيقول: " مات بالري بعد منصرفه من بغداد سنة 311 هـ عن ابن شيراز " والتاريخ الذي يورده معجم البلدان هو تاريخ مغادرة الرازي بغداد لا تاربخ وفاته، وربما قاد هذا الالتباس بعض المؤرخين القدامى والمحدثين إلى الخطأ، حيث حددوا وقوع وفاة الرازي في السنة المذكورة، كما قد يكون هذا سبب خطأ- غيرهم في تحديد مكان وفاة الرازي كما ذكرنا سابقا.
ب- أورد بعضهم عدة تواريخ لوفاته: فتاريخ الحكماء (127) يورد ثلاثة تواريخ:
· 320 هـ نقلا عن صاعد.
* 364 هـ نقلا عن ابن شيران في تاريخه.
* نقلا عن ابن جلجل " وكان في دولة المكتفي " (289- 295 هـ)
وأضاف لها " قلت: وفي بعض زمن المقتدر " (295- 296 هـ)
(ويدل هذا كما نعتقد وذكرنا سابقا على وجوده في بغداد لا على فترة حياته .
ويذكر عيون الأنباء (128) أيضا ثلاثة تواريخ:
* نقلا عن أبي الخير الحسن بن سوار بن بابا: نيف وتسعين ومائتين أو ثلثمائة وكسر.
· نقلا عن خط بلى مظفر بن معرف: 320 هـ.
* نقلا عن عبيد الله بن جبرائيل، عاش الرازي حتى لحقه ابن العميد (129) أستاذ الصاحب بن عباد.
ج - أورد بعضها تاريخا واحدا معينا: فمنها ما ذكر أنه توفي سنة 320 هـ (932 م): مثل طبقات الأمم (130) وتاريخ مختصر الدول (131) ومفتاح السعادة (132).
ومنها ما ذكر أنه توفي سنة 313 هـ (925 م): وهذه رواية البيروني (133) في فهرسة كتب الرازي.
ومنها ما ذكر أنه توفي سنة 311 هـ (923 م): مثل وفيات الأعيان (134) وفوات الوفيات (13) والبداية والنهاية (136) والنجوم الزاهرة (37 1) ومرآة الحنان (38 1) وغيرها (39 1). وربما كان سبب إيرادها هذا التاريخ ما ذكرناه من التباس قول الحموي (الذي يعتبر مؤرخا ثقة) وقد مر ذكر ذلك سابقا.
وهكذا تتواتر لدى المؤرخين القدامى ثلاثة تواريخ لوفاة الرازي وهي/ 1 31 هـ/ و/313 هـ/ و/ 320 هـ/، فإذا اعتبرنا تاريخ 311 هـ نتيجة خطأ بفهم قول الحموي على غير مقصده كما ذكرنا، بقي لدينا تاريخان مرجحان لوفاته 313 هـ وهو التاربخ الذي أخذنا به نقلا عن البيروني الذي يعتر قريبا من عصر الرازي ومؤرخا موثوقا في الوقت نفسه، والآخر هو سنة 320 هـ وقد أورده المؤرخون الذين ذكرناهم.